Index   Back Top Print

[ AR  - DE  - EN  - ES  - FR  - HR  - IT  - PL  - PT ]

عظة قداسة البابا فرنسيس

في القدّاس الإلهيّ في سنة اليوبيل

للقوّات المسلَّحة والشَّرطة والأمن

يوم الأحد 9 شباط/فبراير 2025

ساحة القدّيس بطرس

[Multimedia]

______________________________

 

موقف يسوع عند بُحَيرَة جِنَّاسَرِت يصفه الإنجيليّ لوقا بثلاثة أفعال: رأى، وصعد، وجلس. لم يهتمّ يسوع بإظهار صورة عن نفسه للجموع، ولا بتنفيذ مهمّة، ولا باتّباع جدول زمنيّ في رسالته، بل العكس، وضع دائمًا في المقام الأوّل اللقاء مع الآخرين، والعلاقة معهم، والاهتمام بتعبهم وإخفاقاتهم التي تُثقل القلب مرارًا وتسلب الرّجاء.

إذن، في ذلك اليوم، يسوع رأى وصعد، وجلس.

أوّلًا، رأى. يسوع له نظرة ثاقبة جعلته قادرًا، حتّى في وسط الجموع، على رؤية سفينَتَين راسِيَتَين عند الشّاطئ، ولاحظ الفشل على أوجه الصّيادين الذين كانوا يغسلون الشِّباك الفارغة بعد ليلة صيدٍ فاشلة. نظر يسوع نظرة مليئة بالرّحمة إلى عيون هؤلاء الرّجال، وأدرك إحباطهم، وخيبة أملهم بعد أن عملوا طوال الليل بدون أن يُصِيبُوا شيئًا، وشعورهم بأن قلوبهم فارغة، تمامًا مثل الشِّباك الفارغة التي كانوا يمسكونها الآن بين أيديهم.

وبعد أن رأى يسوع اليأس فيهم، صعد. طلب من سمعان أن يُبعِدَ السّفينة قليلًا عن البَرّ، وصعد فدخل في فضاء حياته، واتّخذ له مكانًا في هذا الإخفاق الذي كان يسكن قلبه. هذا أمر جميل: لم يكتفِ يسوع بملاحظة الإخفاق، كما نفعل نحن مرارًا، فينتهي بنا الأمر إلى الانغلاق على أنفسنا في التّشكي والمرارة. بل بادر، واقترب من سمعان، ووقف بجانبه في تلك اللحظة الصّعبة، وقرّر أن يصعد إلى سفينة حياته، التي عادت في تلك الليلة إلى الشّاطئ من دون توفيق.

في النّهاية، بعد أن صعد يسوع، جلس. وهذه هي وضعيّة المعلِّم الذي يعلِّم في الأناجيل. في الواقع، الإنجيل يقول إنّه جلس يعلِّم. بعد أن رأى في عيون وقلوب الصّيادين مرارة ليلة متعبة بلا صيد، صعد يسوع إلى السّفينة ليعلِّم، أي ليُعلن البشرى السّارّة، وليحمل النّور إلى داخل تلك الليلة المليئة بالفشل، وليكشف عن جمال الله وسط مصاعب الحياة البشريّة، وليؤكِّد أنّ هناك دائمًا أملًا، حتّى عندما يبدو أنّ كل شيء قد ضاع.

وهنا حدثت المعجزة: عندما يصعد الرّبّ يسوع إلى سفينة حياتنا ليحمل إلينا البشرى السّارةّ عن محبّة الله التي ترافقنا وتسندنا دائمًا، إذّاك تبدأ الحياة من جديد، ويُولَدُ الرّجاء من جديد، ويعود الحماس المفقود، ويمكننا أن نرسل من جديد الشِّباك في البحر.

أيّها الإخوة والأخوات، كلمة الرّجاء ترافقنا اليوم، ونحن نحتفل بيوبيل القوّات المسلّحة، والشّرطة، والأمن، الذين أشكرهم على خدمتهم، وأحيِّي جميع السُّلطات الحاضرة، والجمعيّات، والأكاديميّات العسكريّة، وكذلك الأساقفة الخادمين في الجيش والمرشدين الروحيّين. لقد أُوكلت إليكم رسالة كبيرة تضمّ أبعادًا متعدّدة من الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة: الدّفاع عن أوطاننا، والالتزام من أجل الأمن، والمحافظة على القانون والعدل، والتّواجد في أماكن الاحتجاز، ومكافحة الجريمة وجميع أشكال العنف التي تهدّد السّلام الاجتماعيّ. وأذكر أيضًا الذين يقدّمون خدماتهم المهمّة في الكوارث الطّبيعيّة، من أجل حماية الخليقة، وإنقاذ الأرواح في البحر، ودعم الأضعفين، وتعزيز السّلام.

الرّبّ يسوع يطلب منكم أيضًا أن تصنعوا مثله: أن تروا، وتصعدوا، وتجلسوا. أن تروا، لأنّكم مدعوّون إلى أن يكون لكم نظرة متنبِّهة، تعرف أن تدرك ما يهدّد الخير العام، والمخاطر التي تحيط بحياة المواطنين، والتّحدّيات البيئيّة، والاجتماعيّة، والسّياسيّة التي نواجهها. ثمّ تصعدون، لأنّ زيّكم الرّسميّ، والانضباط الذي صَقَلَكُم، والشّجاعة التي تميّزكم، والقَسَم الذي أدَّيتموه، كلّها أمورٌ تذكّركم كم هو مهمّ ألّا نكتفي بأن نرى الشّرّ ونُندّد به، بل يجب أن نصعد إلى السّفينة في وسط العاصفة ونبذل جهدنا كي لا تغرق، وهي رسالة في خدمة الخير، والحرّيّة، والعدل. وأخيرًا، تجلسون، لأنّ حضوركم في مدننا وأحيائنا، ووقوفكم الدّائم إلى جانب القانون وإلى جانب الأضعفين، يصير لنا جميعًا درسًا: يعلِّمنا أنّ الخير يمكن أن ينتصر رغم كلّ شيء، ويعلّمنا أنّ العدل، والوفاء، ومحبّة الحياة المدنيّة لا تزال اليوم قِيَمًا ضروريّة، ويعلِّمنا أنّه يمكننا أن نُنشئ عالمًا فيه إنسانيّة أكثر، وعدلٌ، وأخُوَّة، رغم قِوى الشّرّ المُعارِضَة.

وفي هذه المهمّة، التي تشمل حياتكم كلّها، يرافقكم أيضًا المرشدون الرّوحيّون، وهم حضورٌ كهنوتيّ مهمّ بينكم. هُم ليسوا موجودين ليباركوا أعمال الحروب المنحرفة – كما حدث للأسف أحيانًا في التّاريخ –. لا. هُم بينكم مثل حضور المسيح، الذي يريد أن يرافقكم، ويصغي إليكم، ويكون قريبًا منكم، ويشجّعكم لتنطلقوا، ويسندكم ويدعمكم في رسالتكم اليوميّة. إنّهم يسيرون معكم، ويقدّمون لكم الدّعم الأدبي والرّوحيّ، ويساعدونكم لتقوموا بمهامكم في ضوء الإنجيل وخدمة الخير.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، نشكركم على عملكم، وعلى مخاطرتكم بأنفسكم أحيانًا. شكرًا لأنّكم تصعدون إلى سفننا التي يهدّدها الخطر، وتقدّمون لنا الحماية، وتشجّعوننا على أن نواصل إبحارنا. وأودّ أن أحثّكم أيضًا على ألّا تفقدوا هدف خدمتكم وأعمالكم: أن تدعموا وتعزّزوا الحياة، وتنقذوا أرواح النّاس، وتدافعوا عن الحياة دائمًا. أطلب منكم، من فضلكم، أن تكونوا حذرين: حذرين من تجربة تنمية روح الحرب، وأن تسهروا حتّى لا تغويكم أسطورة القوّة وضجيج الأسلحة، وأن تسهروا حتّى لا تتلوّثوا أبدًا بسمّ دعاية الكراهية، التي تقسِّم العالم إلى أصدقاء يجب حمايتهم وأعداء يجب محاربتهم. بل كونوا شهودًا شجعانًا لمحبّة الله الآب، الذي يريدنا كلّنا إخوة. ولنَسِر معًا حتّى نبني عهدًا جديدًا من السّلام، والعدل، والأخوّة.

 

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2025



Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana