![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رسالة قداسة البابا فرنسيس
في اليوم العالميّ الثّاني والسّتين للصّلاة من أجل الدّعوات
11 أيّار/مايو 2025
حُجَّاج الرَّجاء: عطيَّة الحياة
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
في هذا اليوم العالميّ الثّاني والسّتين للصّلاة من أجل الدّعوات، أودّ أن أوجّه إليكم دعوة كلّها فرح وتشجيع لتكونوا حجَّاج رجاء، وتبذلوا حياتكم بسخاء.
الدّعوة هي عطيّة ثمينة يزرعها الله في القلوب، وهي نداء لنخرج من ذاتنا وننطلق في مسيرةِ محبَّةٍ وخدمة. وكلّ دعوة في الكنيسة – سواء كانت علمانيّة، أو للخدمة الكهنوتيّة، أو للحياة المكرّسة – هي علامة على الرّجاء الذي يحمله الله للعالم ولكلّ واحد من أبنائه.
في وقتنا هذا، شباب كثيرون يشعرون بالضّياع أمام المستقبل. يشعرون مرارًا بعدم الثّقة بشأن إمكانيّات العمل، وأكثر من ذلك، يختبرون أزمة هويّة وهي أزمة معنى وقِيَم، والفوضى الرّقميّة تجعل اجتيازها أكثر صعوبة. الظّلم تجاه الضّعفاء والفقراء، واللامبالاة في الرّفاهية الأنانيّة، وعنف الحرب، كلّها تهدّد مشاريع حياة صالحة تُهَذِّبُ النّفس. مع ذلك، فإنّ الرّبّ يسوع، الذي يعرف قلب الإنسان، لا يتركه في حالة عدم الأمان، بل يريد أن يوقظ في كلّ واحد الوعي بأنّه محبوب، ومدعو ومُرسل ليكون حاجًّا يحمل الرّجاء.
لهذا، نحن أعضاء الكنيسة البالغين، وخاصّة الرّعاة، مدعوّون إلى أن نستقبل ونميّز ونرافق مسيرة الدّعوة في الأجيال الجديدة. وأنتم، أيّها الشّباب، مدعوّون إلى أن تكونوا مؤثِّرين، بل شركاء مع الرّوح القدس، الذي يوقظ فيكم الرّغبة في جعل الحياة عطيّة محبّة.
كلّ واحد يقبل مسيرة دعوته
أيّها الشّباب الأعزّاء، "حياتكم ليست ”وقفة انتظار“. أنتم حاضر الله" (الإرشاد الرسوليّ بعد السّينودس، المسيح يَحيَا، 178). من الضّروري أن ندرك أنّ عطيّة الحياة تتطلّب جوابًا سخيًّا وأمينًا. انظروا إلى القدّيسين والطّوباويّين الشّباب الذين أجابوا بفرح على دعوة الرّبّ يسوع: القدّيسة روزا دي ليما، والقدّيس دومينيك سافيو، والقدّيسة تيريزا الطّفل يسوع، والقدّيس جبرائيل للعذراء المتألِّمة، والطّوباويّين – اللذَين سيصيران قريبًا قدّيسَين – كارلو أكوتيس وبيير جورجيو فراسّاتي، وإلى آخرين كثيرين. كلّ واحد منهم جعل دعوته مسيرةً نحو السّعادة الكاملة، وفي علاقة مع يسوع الحيّ. عندما نصغي إلى كلمته، يضطرم قلبنا في صدرنا (راجع لوقا 24، 32)، ونشعر بالرّغبة في أن نكرّس حياتنا لله! إذّاك نريد أن نكتشف بأيّة طريقة وبأيّ شكلٍ من أشكال الحياة نبادله الحبّ الذي منحنا إيّاه هو أوّلًا.
كلّ دعوة نشعر بها في أعماق قلبنا، تُنبت في داخلنا جوابًا يدفعنا نحو المحبّة والخدمة، وهو ينبوعُ رجاءٍ ومحبّة، وليس مجرّد بحثٍ عن تحقيق الذّات. لذلك، الدّعوة والرّجاء يتشابكان في مخطّط الله من أجل فرح كلّ رجل وامرأة، وكلّهم مدعوّون إلى أن يقدّموا حياتهم من أجل الآخرين (راجع الإرشاد الرّسوليّ، فرح الإنجيل، 268). كثيرون هُم الشّباب الذين يسعون ليعرفوا الطّريق التي يدعوهم الله إلى أن يسيروا عليها: البعض منهم يكتشفون – وغالبًا باندهاش – دعوتهم إلى الكهنوت أو إلى الحياة المكرّسة، وآخرون يكتشفون جمال الدّعوة إلى الزّواج والحياة العائليّة، بالإضافة إلى الالتزام بالخير العام والشّهادة للإيمان بين زملائهم وأصدقائهم.
كلّ دعوة يحييها الرّجاء، الذي تُعَبِّرُ عنه الثّقة بالعناية الإلهيّة. في الواقع، بالنّسبة للمسيحيّ، أن نملأ قلبنا بالرّجاء هو أكثر من تفاؤل بشريّ بسيط، هو يقين متجذّر في الإيمان بالله، الذي يعمل في تاريخ كلّ إنسان. وهكذا تنضج الدّعوة بالالتزام اليوميّ للأمانة للإنجيل، وفي الصّلاة، والتّمييز، والخدمة.
أيّها الشّباب الأعزّاء، الرّجاء في الله لا يخيِّب، لأنّ الله يقود مَن يثق به في كلّ خطوة يخطوها. العالم بحاجة إلى شباب يكونون حُجّاج رجاء، يتحَلَّوْن بالشّجاعة لتكريس حياتهم للمسيح، ممتلئين فرحًا لكونهم تلاميذه ورسله.
تمييز مسيرة دعوتنا
اكتشافنا لدعوتنا يتمّ من خلال مسيرة تمييز. وهذه المسيرة ليست فرديّة، بل تتطوّر داخل الجماعة المسيحيّة ومعها.
أيّها الشّباب الأعزّاء، العالم يدفعكم إلى أن تتّخذوا قرارات متسرّعة، وإلى أن تملؤوا أيّامكم بالضّجيج، فيمنعكم من أن تختبروا صمتًا منفتحًا على الله، الذي يخاطب القلب. تحلّوا بالشّجاعة لتتوقّفوا، وتصغوا إلى داخلكم وتسألوا الله ما الذي يحلم به لكم. الصّمت في الصّلاة لا غنى عنه من أجل ”قراءة“ دعوة الله في تاريخ حياتكم ولتعطوا جوابًا حرًّا وواعيًا.
الاعتكاف والتّأمّل يسمح لنا بأن نفهم أنّنا نقدر جميعًا أن نكون حجّاج رجاء إن جعلنا حياتنا عطيّة، وخاصّة في خدمة الذين يعيشون في ضواحي العالم، من حيث المادة والوجود. من يصغي إلى الله الذي يدعو، لا يمكنه أن يتجاهل صرخة الإخوة والأخوات الكثيرين الذين يشعرون بأنّهم مهمّشون وجَرحَى ومتروكون. كلّ دعوة تنفتح على الرّسالة التي هي حضور المسيح، حيث تزداد الحاجة إلى النّور والتّعزية. والمؤمنون العلمانيّون مدعوّون بصورة خاصّة إلى أن يكونوا ”ملحًا، ونورًا وخميرة“ لملكوت الله بالتزامهم الاجتماعيّ والمهنيّ.
مرافقة مسيرة الدّعوة
على مثل هذه الطّريق، العاملون الرّعويّون، وخاصّة المرافقون الرّوحيّون، يجب ألّا يخافوا من مرافقة الشّباب بثقة صابرة ومليئة بالرّجاء، وفقًا لنهج الله التّربويّ. يجب أن يكونوا أشخاصًا قادرين على الإصغاء والقبول باحترام، ويجب أن يكونوا أشخاصًا موثوقين، ومرشدين حكماء، ومستعدّين للمساعدة، ومتنبّهين ليعرفوا علامات الله في مسيرتهم.
لذلك، أدعو إلى تعزيز الاهتمام بالدّعوة المسيحيّة في مختلف مجالات الحياة والنّشاط الإنسانيّ، وتشجيع كلّ شخص ليفتح نفسه بالرّوح فيسمع صوت الله. لهذا الهدف، من المهمّ أن تضمن المسارات التّربويّة والرّعويّة أماكن مناسبة لمرافقة الدّعوات.
الكنيسة بحاجة إلى رُعاة، ورُهبان، ومُرسلين، وأزواج يعرفون أن يقولوا ”نعم“ للرّبّ يسوع بثقة ورجاء. والدّعوة ليست قط كنزًا يبقى مغلقًا في القلب، بل تنمو وتقوى في الجماعة التي تؤمن، وتحبّ، وترجو. ولأنّ لا أحد يمكنه أن يجيب وحده إلى دعوة الله، فنحن كلّنا بحاجة إلى الصّلاة وإلى دعم الإخوة والأخوات.
أيّها الأعزّاء، الكنيسة حيَّة ومثمرة عندما تَلِدُ دعوات جديدة. والعالم يبحث، مرارًا وبشكل غير واعٍ، عن شهود للرّجاء، يعلنون بحياتهم أنّ اتّباع المسيح هو مصدر للفرح. لذلك، لا نتعب من أن نطلب من الرّبّ يسوع أن يمنحنا عاملين جُدُدًا لحصاده، وكلّنا ثقة بأنّه سيستمرّ في دعوته لنا بمحبّة. أيّها الشّباب الأعزّاء، أُوكل اتّباعكم للرّبّ يسوع إلى شفاعة مريم العذراء، أمّ الكنيسة وأمّ الدّعوات. سيروا دائمًا حُجَّاجَ رجاءٍ على طريق الإنجيل! أرافقكم ببركتي، وأطلب منكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي.
روما، مستشفى جيملي، 19 آذار/مارس 2025.
فرنسيس
*******
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2025
Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana